ام عمر نسمة رقيقة
عدد الرسائل : 7 توقيع المنتدى : تاريخ التسجيل : 11/01/2008
| موضوع: شحرور أم صقر؟! 11.01.08 23:57 | |
| شحرور أم صقر؟! جمعتني مع جارتي أم أحمد أمسية صيفية.. جلست وإياها في حديقة منزلي.. كانت السماء صافية والنجوم لامعة.. وقد آوت كل المخلوقات الصغيرة إلى بيوتها...ولجأت العصافير إلى أعشاشها.. وصفا الزمان والمكان.. وساهم في صفائهما شحرور أبى إلا أن يؤنسنا بتغريده طوال جلستنا مما أثار شجون جارتي العزيزة فقصت لي حكايتها مع شحرور متفرد قائلة:
( في سنوات زواجنا الأولى عُيِّن أبو أحمد مختارا لقرية نائية.. كان زوجي رجلا محبوبا من أهل القرية.. دمث الأخلاق واسع الصدر عالي الهمة.. وكان لمنزلنا حديقة أكبر من هذه التي نجلس بها الآن.. اتخذت العصافير من الخميلة الكبيرة فنادق لها تبارحها صباحا وتباركها ليلا.. وكان بين العصافير غراب وحيد.. يملأ الفضاء بنعيقه المتشائم.. مع ذلك لم يكن يعكر صفوي خاصة أنه وحيد.. وربما لولا قبحه لما شعرت بجمال الطيور الأخرى.. وبضدها تتمايز الأشياء!
كانت بداية النهاية عندما نصحتني جارتي العجوز أن لا أرمي فضلات الأطعمة في القمامة, بل أضعها في الحديقة فيلتهمها ذلك الغراب الذي لا يوفر صنفا من بقايا الطعام إلا ويقضي عليه.. عملت بنصيحتها.. وما هي إلا أيام حتى ازدادت الغربان في حديقتي.. مما جعل الطيور الأليفة تفر باحثة عن مأوى آخر.. وبذلك فقدت الحديقة الأصوات العذبة التي كانت تجعلها أشبه بفردوس أرضي.. أما الخميلة الكبيرة فقد امتزج لون أوراقها الخضراء بلون الغربان الداكن مما شوه منظرها.. وهكذا أوشكت حديقتي أن تصبح سرابا بعد أن كانت واحة ... فكرت أن أستعمل بندقية زوجي فأصطادهم جميعا وأريح أذنيّ من أصواتهم النشاز وأحمي عينيّ من منظرهم البشع.. لكني لا أحب منظر الدماء... فوجدت الحل أن أسجنهم في أقفاص انفرادية لأضمن أنهم لن يتكاثروا.. وبذلك تختل معادلة التكاثر لصالح الفناء.. وأقضي عليهم جميعا...
وضعت كلا منهم في قفص.. وعندها لفت نظري طائر مختلف... جسمه أصغر من أجسامهم وريشه زاهٍ ملون... كأنه شحرور .. لكن نظرته الحادة ومنقاره المعقوف جعلته أشبه بالصقر... والغريب أن صوته مزيج من أصوات متنافرة!!
تعجبت من أمره.. وسألت عنه أكبر الغربان سنا.. فأخبرني أن أنثاه وجدت بيضة غريبة بين بيوضها فاحتضنتها ولما فقست خرج منها هذا الكائن الغريب.. فتارة يريد أن يحلق كالصقور.. وتارة يريد أن يغرد كالبلابل.. ولديه القدرة أن يفعل الشيئين معا..مما أثار خوف الغرابين الأبوين وفزعهما أن يؤلب عليهما باقي الأبناء المطيعين.. فنتفا بعضا من ريشه كي لا يقوى على التحليق بعيدا عنهما.. وعلماه لغة الغربان.. فاختلطت الأصوات في حنجرته بهذا المزيج المتنافر!
تأملت ذلك الطائر الغريب.. كان لا يكل عن الصياح مطالبا بفك أسره بينما آثر بقية الغربان السكون.. خشيت إن أنا لبيت مطلبه أن أفعِّل غيرة الباقين... فاقتربت منه وحاولت لمس ريشه بنعومة.. نظر إلي نظرة حاقدة.. ونقرني نقرة أسالت الدم من يدي.. تركته فترة وعندما عدت إليه.. وجدته مضربا عن الطعام.. سألته عن السبب فشرح لي أنه خُلق طيرا ليحلِّق وليس ليوضع في قفص.. فذكرته أنه بادلني بمعروفي منكرا.. وأنه كاد وعشيرته الغربانية أن يفسد علي راحتي بعد أن شاركوني في حديقتي.. وعدني أن لا يفعل... وكان يبدو أليفا أكثر من الأول .. وسمح لي بلمس ريشه الزاهي... ووعدته أن أطلق سراحه إذا أبدى من حسن السلوك ما يغير انطباعي عنه.. طلب مني أن آتي لأصدقائه بطعام أفضل.. ولما سألته عن نوع الطعام المفضل لديه أخبرني أنه يحب أن يلتهم الكتب.. فإذا قيدت جناحيه فلا يجوز أن أقيد فكره عن التحليق.. وجدتها فكرة مناسبة, فلعل الكتب تجعله أكثر تحضرا.. وتعيده إلى طبيعته الشحرورية.. وفي مرة أخرى طلب مني سجادة صلاة.. تعجبت لأنني لم أره مرة يصلي, فأجابني أنه يفضل صلاة الليل حيث أن الليل ستار.. والمحب الحقيقي لا يود أن يكشف سره أحد..
شعرت أن حب هذا الطائر الصوفي المتمرد بدأ يغزو قلبي.. خاصة مع صعوده في سلم الشحرورية.. وإن كان قد خدعني ذات يوم عندما غلبته موروثاته الصقرية ونقرني وأنا أقدم له الحَبَّ.. لكنه أتبع نقرته تلك بنظرة أسف وكأنه يعدني ألا يعود لمثلها.. تابعت مراقبته.. إلى أن اقتنعت بأنه خطا خطوات بعيدة في سلم التطور والارتقاء.. أفرجت عنه مشترطة عليه أن لا يحلق خارج سرب البلابل الأخرى.. أشار إلى منقاره الصقري الذي علته ابتسامة ماكرة محببة.. وكأنه يذكرني بالطبيعة التي جُبل عليها.. لكنه وعدني أن يحاول..
الحق يقال أنه أصبح مستأنَسا أكثر من ذي قبل.. صوته بدأ يزهو كريشه.. لكنه كان يحلق بعيدا عني بسبب قوة أجنحته.. تذكرت كلام أبيه الذي تبناه وكيف أنه نتف بعض ريشه كي لا يحلق فيقلده الآخرون بتحليقهم.. فكرت أن أفعل نفس الشيء.. وأن المقص يحل المشكلة .. لكنه لم يمكّنني من التحكم في القص .. فما تزال الطبيعة البرية غالبة عليه.. والجسارة الصقرية تترافق بحدس صوفي رهيب لديه.. هرب مني وغاب فترة طويلة .. وعندما عاد علمت أنه كان يلقنني درسا.. فأردت أن أنزع هذه الغضبة الصقورية من بين جنبيه.. فخدعته.. وأمسكته على حين غرة.. ووضعته في قفص.. غضب مني كثيرا... ولم يعد يكلمني ولا ينظر لي.. ولا يأكل من طعامي.. هزل جسمه ونحل.. خشيت أن أفقده البتة.. أخبرته أني لم أسجنه كرها به.. بل حبا بمنظره وغراما بصوته.. أوضحت له أن أخت زوجي التي تقيم معي متشددة وتمنعني من سماع الموسيقا.. وأنا أحب تغريده.. وعدني أنني إذا أطلقت سراحه فلن يفارق حديقتي... وكان صقرا أبيا وشحرورا وفيا ..
بدأت الغيرة تدب في جوانح أخت زوجي.. أوحت لزوجي أني مغرمة بهذا الطائر.. وأنني كأنثى لا يجوز لي الإصغاء لصوته وإلا كانت الفتنة.. ولا بد من قتل هذا الطائر والتخلص منه كأنه عدوها اللدود.. وكانت ثورة في البيت.. كان أبنائي محبين لهذا الطائر فوقفوا إلى جانبي مؤيدين له معلنين أن من حقه أن يغرد كما يشاء... ووقفت أخت زوجي تريد أن تتشفى .... وليس لداء الانتقام دواء إلا القتل!
كان الطائر قلقا تلك الفترة وإن لم يبد عليه ذلك.. لكنني كنت أسمع أنات تضرعه في السحر وقد فاقت بروعتها كل تسبيح أو تغريد.. واستجاب له خالقه الذي يعلم السر وأخفى.. ألمت بأخت زوجي وعكة صحية أدت إلى إصابتها بجلطة في الدماغ مما جعلها تلزم فراشها بعد خروجها من المستشفى... لم تعد قادرة على الكلام ولا على الحركة.. لكنها بين فترة وأخرى تشير إلى زوجي أن يكتم صوت الطائر الغرّيد.. مما يجعله يستجيب لها بين الفترة والأخرى لإدراكه لمرضها الدماغي والذي يسبب لها التشنج طوال الوقت.. وكان الحل كي يرضيها, دون أن يستحث غضبي إذا سجنه أو يشعل أوار حزني إذا قتله, بتكميم منقاره بشريط لاصق... وتقييد أجنحته بحبل غليظ.. كنت في غياب زوجي أستبدل الشريط اللاصق بخيط رفيع من حرير.. وأفك الرباط الذي يكبل أجنحته .. فيشكرني الطائر البديع ويحلق كما يشاء.. ويغرد بصوت مخملي كالحرير.. كان يناديني قبل أن يعود زوجي مساء كي أربط له أجنحته وألصق له منقاره كما كان... ويشكرني لأني منعت زوجي من قتله أو سجنه.. وعدته أن أفعل المستحيل لمساعدته ونفسي وأولادي... فلا يصح أن تتحكم تلك السيدة المصابة بالتشنجات العقلية بأذواقنا فتلغي إنسانيتنا الحرة وتقيد حركتنا لأنها مشلولة لا تتحرك.. فالزمن كله يدور ويتحرك.. ولا بد أن أربي أولادي لزمن آخر غير زماني وزمانها !!).
أنهت أم أحمد حكايتها بتنهيدة عميقة, فقلت لها: شحرورك هذا لا بد أنه مبدع, إذ لا يكون الشحرور مبدعا حقا إلا إذا كان يحمل في داخله قلب صقر شجاع!
حكيت لها بدوري عن ذلك العبقري الذي سئل ما هي أعظم الفضائل, فأجاب دون تردد أنها الشجاعة.. وحين سأله تلميذه لماذا, قال: لأنه دون شجاعة لن يكون لدى المرء سوى إمكانية ضئيلة لممارسة الفضائل الأخرى! منقول | |
|
أم حبيبة الرحمن مراقبة الاسرة السعيدة
عدد الرسائل : 1742 رقم العضوية : 19 توقيع المنتدى : تاريخ التسجيل : 08/01/2008
| موضوع: رد: شحرور أم صقر؟! 12.01.08 0:26 | |
| | |
|
زائر زائر
| موضوع: رد: شحرور أم صقر؟! 12.01.08 11:21 | |
| جزاك الله خيرا يا غاليه نورتينا واسعدنا وجودك معنا يا قمرايه |
|
ام عمر نسمة رقيقة
عدد الرسائل : 7 توقيع المنتدى : تاريخ التسجيل : 11/01/2008
| موضوع: رد: شحرور أم صقر؟! 12.01.08 12:44 | |
| وفيك بارك الله يا ام حبيبه الرحمان على الرد والمنتدى منوره بوجودكم ..... وجزيت خيرا يا ام الاء على ردك االحلو يا حلوه | |
|
اسلام نسمة لذيذة
عدد الرسائل : 80 رقم العضوية : 15 توقيع المنتدى : تاريخ التسجيل : 07/01/2008
| موضوع: رد: شحرور أم صقر؟! 25.01.08 17:51 | |
| قصة جميلة ..
بارك الله فيكي اختي ام عمر
كم ادهشني اسلوب كاتبها ..
وفعلاً : لأنه دون شجاعة لن يكون لدى المرء سوى إمكانية ضئيلة لممارسة الفضائل الأخرى! | |
|
roro soso نسمة برنزية
عدد الرسائل : 823 توقيع المنتدى : تاريخ التسجيل : 15/01/2008
| موضوع: رد: شحرور أم صقر؟! 27.02.08 12:55 | |
| | |
|